السبت، 3 ديسمبر 2011

القيادة المدرسية الفعّالة والتغيير التربوي في مجتمع المعرفة

أ.د. بدر بن عبدالله الصالح/ تقنية التعليم والتصميم التعليمي
كلية التربية/ جامعة الملك سعود/ الرياض
Effective School Leadership and Educational Change
In The Knowledge Society
1430هـ2009م

تمهيد:

يبدو من غير المبالغ فيه القول بأن الإصلاح التربوي المدرسي يمثل سمة مشتركة بين النظم التربوية في العالم أجمع تقريباً. وبرغم اختلاف أهداف هذا الإصلاح وآلياته، إلا أنه إصلاح معتمد على أو موجّه بالتقنية (technology- based educational reform). وإذا كانت دواعي هذا الإصلاح تتفاوت من حالة إلى أخرى ،إلا أن هناك اتفاق عام حول ضرورة استجابة النظم التربوية للتغيرات التي يشهدها العالم في مستهل الألفية الثالثة. التربية على مفترق طرق 2000,p.xi),Zanker)، والتحديات كبرى ، والعالم أجمع تقريباً يبحث عن نموذج بديل للنظام التربوي التقليدي، فمن مطالب بتغييرات جزئية إلى مطالب بتغييرات شاملة، ومن باحث عن مدرسة ذكية إلى مطالب بمدرسة إلكترونية، وثالث بمدرسة متعلمة، ورابع بمدرسة افتراضية، وغير هذه المفردات مما لا يتسع المجال لذكرها. الظروف مختلفة والرؤى متعددة ولكن يجمعها هدف واحد: نظام تربوي جديد يستجيب للتحديات الراهنة ويستبق التفكير في المستقبل.

يصف مكبيث ومورتيمور ( MacBeath &Mortimore,2001,p.1, cited in:MacGilchrist,et., al.,2008,p.1) أزمة التربية على النحو التالي: " دخلنا إلفية جديدة مصحوبة بعلم متقدم وتقنية مدهشة ولكننا لا نزال لا نعرف كيف نربي أطفالنا".

باختصار،التربويون والتقنيون ،كل منهم يحاول رسم صورة مدرسة المستقبل من منظوره الخاص،ومع ذلك، تركزت أغلب جهود الإصلاح التربوي على استثمار معطيات تقنية المعلومات والاتصال(ICT) لأحداث التحول في النموذج التربوي ، .هذا اتجاه إيجابي ولكنه غير مستغرب،فهو حدث يتكرر مع كل تقنية جديدة.ومع ذلك الذي يتغير هو التقنية فقط، أما الفكر التربوي فيبقى تقليدياً في طرحه، حيث تحتل التقنية صدارة التخطيط التربوي على حساب المنظور الشامل للتغيير (systemic change) ، الذي يعنى بجميع مكونات المشروع التربوي، (الصالح، 2003، 3).

تتناول هذه الورقة مبررات التغيير التربوي وملامح النموذج التربوي الجديد ، ثم تستعرض بإيجاز أحد المكونات الجوهرية في هذا النموذج هو القيادة المدرسية الفعّالة : خصائصها وأنواعها، إضافة إلى بعض الموضوعات الأخرى ذات العلاقة .

مبررات الإصلاح التربوي: يعتقد البعض أن تقنية المعلومات والاتصال هي العامل الرئيس لإحداث التحول المنشود في النموذج التربوي.هذا اعتقاد غير دقيق، حيث توجد عوامل أخرى تتفاعل معاً بدرجات متفاوتة في تشكيل ملامح النموذج الجديد. هذه العوامل هي:

1- مهارات مجتمع المعرفة: يعتقد البعض أن مهارة استخدام التقنية تمثل جوهر المهارات المطلوبة في الألفية الثالثة.هذا اعتقاد تعوزه الدقة، فهذه المهارة هي واحدة فقط من بين مهارات عديدة مثل: مهارات الإنتاجية العالية والثقافة الرقمية والتفكير الابتكاري، والاتصال الفعّال وحل المشكلة واستخدام الأدوات التقنية لتحسين التعلم، وتقويم المصادر الإلكترونية، وغيرها .(USA,CEO,2001,v.1,p.6, cited in: MacGilchrist,et., al.,2008)

2- التحول في الفكر التربوي: النموذج التربوي البديل ليس مدرسة إلكترونية فقط ، فالتقنية لا تعمل في فراغ ، وإنما الركيزة الأساس في هذا النموذج هي فكر تربوي جديد ينطلق من منظور مختلف حول الكيفية التي يتعلم بها الفرد، و باختصار، ما يحدث حالياً هو التحول من نموذج نقل المعلومات للمتعلم (transmission model)إلى نموذج تحويل المعلومات (transformative model). وهذا يعني أن تحولاً جوهرياً يجب أن يحدث في أدوار المعلم والطالب والتقنية.

3- عجز النظام التربوي التقليدي عن الاستجابة لتحديات المرحلة: النظام التربوي التقليدي هو نظام خطي(linear) يلائم العصر الصناعي ن فالطلاب يدرسون الشيء نفسه في الوقت نفسه بما يشبه خط التجميع assembly line)) في المصنع. وينتقد البعض( 1997 (Branson هذا النظام بكونه استهلك كل طاقته ولم يعد بإمكانه أن يقدم المزيد،ولذا يجب أن يتغير.ويصف بيركن(Perkin,1996,) المعرفة في النظام الحالي بأنها هشة (fragile knowledge) لأنها معرفة مفقودة وخاملة (inert) وساذجة ومجزأة ومنفصلة عن الواقع. نتاج هذه المعرفة حافز ضعيف للتعلم وصعوبة نقل التعلم إلى مواقف جديدة.

-4 التعلم المعتمد على نتائج أبحاث الدماغ: انتشر في السنوات العشرين الأخيرة اهتمام واسع بين التربويين فيما أصبح يعرف بالتعلم المعتمد على أبحاث الدماغ Pritchard, 2009,p.87)). وتشير نتائج تللك الأبحاث إلى أن الدماغ موجّه فطرياً للبحث عن المعنى ومضمون ذلك تقديم خبرات تعلم أصيلة، وأن الدماغ يتفاعل مع البيئة الغنية بالخبرات الواقعية مما يعني أهمية تصميم بيئات تفاعلية غنية بالمصادر، كما ينتج الدماغ مسارت عصبية جديدة إثناء حل المشكلات مما يؤكد على أهمية تقديم خبرات التعلم من خلال أساليب حل المشكلات، وأن التهديد والإجهاد العالي يمنع التعلم ويقتل الخلايا الدماغية مما يتطلب توفير بيئات تعلم أمنة ومساعدة المتعلمPritchard,2009,pp.87-104)).

الإصلاح التربوي ومفهوم الجاهزية للتغيير:الإصلاح التربوي لايحدث فجأة كما لايحدث بالتمني، وإنما له متطلبات ضخمة. إن أحد المفاهيم الجوهرية في التغيير هو مفهوم مستوى الجاهزية للتغيير(for change level of readiness)، حيث يمثل التصميم والتطوير التعليمي(ID )العملية التي ينتج عنها التغيير(تعلم إلكتروني مثلا)، الذي يحتاج إلى جاهزية هيئة التدريس(FD) بالنسبة للمهارات المطلوبة لاستخدامه والاتجاهات الإيجابية نحوه، وجاهزية المنظمة(OD) بالنسبة لمنظومة قيمها وتقاليدها ونظمها وسياساتها المرتبطة بالتغيير المقصود، إضافة إلى المصادر المادية والقيادة وغيرها. وكثيراً ما تركز الإصلاحات التربوية على التقنية وإلى حد ما على التدريب، بينما لا يحصل تطوير المنظمة على الانتباه المطلوب، لتبقى المدرسة مكبلة بنظم وإجراءات لا تمكّنها من تنفيذ التغيير المرغوب على الوجه الأمثل.
ملامح النموذج التربوي البديل: يختلف التربويون حول ملامح النموذج التربوي البديل، وكثيراً ما ينظر لهذا النموذج من مدخل التقنية، في غياب المنظور الشامل للفكر التربوي المعاصر الذي ينبغي أن يوجّه التقنية. إن النموذج البديل ليس مدرسة إلكترونية، وإنما مدرسة ذكية تتصف بكونها واعية(informed) ونشطة((energetic ومفكرة(thoughtful)(Perkin,1996,p.3). وتشير كثير من الأدبيات إلى عدد من ملامح هذه المدرسة وهي: تعليم أصيل ومناهج مدمجة ومعلم ميّسر وطالب مستكشف، وتقنيات للتعلم،وتعلم تعاوني وتعليم أصيل، وجداول مرنة وتعلم تفاعلي، وتقويم بديل وقيادة ميّسرة للتغيير. يتناول هذا المقال أحد هذه الملامح وهو القيادة الميّسرة للتغيير، الذي كثيراً ما يحوز على انتباه محدود ، في وقت تشيرفيه أغلب الأدبيات Hord,2004,Morse,2004) ) إلى أهميته في نجاح جهود التغيير، وأن أغلب مشاريع التغيير التربوي فشلت في مرحلة التنفيذ(Ely,1999) التي تحتاج إلى قيادة تحرك الناس نحو الهدف وتحول النيات والمقاصد إلى واقع.
خصائص القيادة المدرسية الفعّالة : تختلف وجهات النظر حول ماهية القيادة كما تختلف حول علاقة القيادة بالإدارة. يعّرف ماكسويل Maxwell , 2000)) القيادة بأنها عملية التأثير، وتحويل الأهداف إلى واقع. أما هيفتز( Heifetz,1994) فيعّرف القيادة بأنها "عملية التغيير والتكّيف". لقد شددت النظرة التقليدية التي تعكس النموذج الصناعي للقيادة المدرسية على الوظائف والمهام الإدارية لمدير المدرسة في تسيير اليوم المدرسي وتوفير المصادر وغيرها. وعندما صدر تقرير امة في خطر في الولايات المتحدة في العام 1983، بدأت المطالبات أن لا يكون القيادي المدرسي مديراً فقط وإنما قيادي في التعليم والمناهج والتقويم ( LPA,2004).ما حدث هو تحول من المسئوليات التشغيلية لمدير الدرسة إلى قيادي تربوي.
إن ما يحفّز التأكيد على القيادة المدرسية هو التعقيد المتزايد لجهود الإصلاح المدرسي المعاصر والحاجة إلى مشاركة المستفيدين في عملية الإصلاح لضمان نجاحه. يضاف إلى ذلك اتساع الفجوة بين المعرفة داخل المدرسة وخارجها، ونظرة الجيل الشاب إلى المعرفة خارج المدرسة بأنها أكثر علاقة بحاجاتهم وآمالهم ( MacGilchrist, et., al.,2008,p.12). لذا، فإن دور قائد المدرسة ليس تحديد وتشجيع استراتيجية الإصلاح، وإنما تنمية القيادة والتعاون مع مجتمع المدرسة وأولياء الأمور وأعضاء المجتمع الخارجي لزيادة فرص نجاح الإصلاح والتحسين في أداء المدرسة بمرور الزمن. إن هذا التحول في التركيز من تحديد مبادرة الإصلاح الصحيحة إلى الأفراد والتعاون معهم، يوازي التغيير في نماذج القيادة في مؤسسات قطاع الأعمال (LPA,2004 ).
التفكير الكلي Systemic Thinking)): تحتاج القيادة المدرسية الفعّالة إلى فهم المعلومات وتفسيرها ضمن إطار شامل باستخدام منظور النظم عند تناول المشكلات المعقدة Zaccaro, 2001, p. 17cited in: NCREL, 2004) ). والنظر إليها ضمن السياق الأكبر للمجتمع في تفسيرها واستكشاف الإمكانات الكامنة. وبعبارة أخرى، يتم فهم المواقف من خلال فحص السياق والعلاقات وارتباطاتها بأشياء أخرى، وليس بتحليل مكوناتها الفردية. ويستطيع القادة استخدام أسلوب النظم لفهم المكونات من منظور المنظمة ككل، فالتفكير الكلي سياقي (contextual )، أي وضع المشكلة في سياق الكل، والتحليل من الكل إلى الكل ومن الكل إلى الجزء ومن الجزء إلى الجزء(Capra, 1996, cited in: LPA, 2004).. من هذا المنظور تصبح المدرسة الفعّالة (الذكية) أكبر من مجموع أجزائها ( مبدأ التكامل والتأزر" Synergism ")، أي أن أداء المدرسة يتحسن بناءً على العمل التشاركي والتأزري بين جميع مكوناتها (MacGilchrist,et., al.,2008,p.xvii ).
ويقدم هورد و هالنج-أوستن (Hord and Huling-Austin, 1986, cited in: LPA, 2004): إطار عمل لأدوار القيادة المدرسية يتكون من المكونات التالية:
• توفير جو وثقافة محفّزة للتغيير
• توفير رؤية والتوعية بها
• تخطيط للمصادر وتوفيرها
• توفير التدريب والنمو المهني
• مراقبة ومتابعة التقدم
• الاستمرار في توفير المساعدة
خصائص القيادة المدرسية الفعّالة: يعتقد مورس ( Morse,2004) أن القيادي التربوي هو الذي يمتلك عدداً من الخصائص يمكن تنظيمها في فئتين هما: أنواع القيادة وما يسميه البعض بالذكاءات التسعة للقيادة المدرسية الفعّالة.
أولاً: أنواع القيادة:
• قيادة برؤية واضحة:
المقدرة على وضع رؤية مقنعه تأخذ الأفراد إلى مكان جديد , ويمكن تحديد أربعة أنواع من
الرؤيةهي:
- الرؤية المنظماتية (OV): لدية صورة كاملة عن مكونات المدرسة وفهم العلاقات بينها.
- الرؤية المستقبلية (FV): لديه صورة شاملة للكيفية التي ستبدو بها المدرسة في فترة
محددة في المستقبل .
- الرؤية الشخصية ((PV: الطموح الشخصي للقائد بالنسبة للمدرسة, والتي تعمل كمحفز وقوة دافعة لتصرفات القائد لربط الرؤيتان المنظماتية والمستقبلية .
- الرؤية الإستراتيجية (SV): ربط الواقع الحالي (الرؤية المنظمانية )باحتمالات المستقبل (الرؤية المستقبلية ) بإسلوب فريد (الرؤية الشخصية )ومناسب للمدرسة.

• قيادة ثقافية (CL) : معرفة ثقافة المدرسة وتقاليدها و تشكيل ثقافة المدرسة لدعم الممارسات التعاونية و تحييد(أو)التخلص من التقاليد المدرسية التي تعوق تحقيق رؤية الإصلاح التربوي .

• قيادة تربوية :(EL)فهم المناهج و فهم أساليب التعليم و التعلم و استخدام المعلومات والتقويم لتحسين النظام التربوي للمدرسة.

• قيادة تأملية (RL): تفعيل عملية تقويم الأداء و مقارنة التطبيقات الماضية والحالية بهدف تحسين الأداء.

• قيادة إنسانية (HL): دعم تقاليد الزمالة و بناء فريق و إيجاد كثافة قيادية وتحديد الفرص و البناء على نقاط القوة و تقدير المصادر البشرية في المدرسة.

• قيادة تحويلية (TL): رفع القادة وتابعوهم بعضهم بعضاً إلى أعلى المستويات المعنوية والحافز، و التماس المثل العليا والقيم الأخلاقية مثل العدالة والمساواة، و اتخاذ زمام المبادرة (proactive) بدلاً من أسلوب رد الفعل(reactive).

• قيادة تقنية (: (TL توظيف التقنية في تنفيذ مهام الإدارة المدرسية و نمذجة استخدام التقنية و قيادة الإصلاح التربوي المعتمد على التقنية .
• قيادة رمزيةSL)): تشجيع العلاقات العامة والتعريف بأهمية برنامج الإصلاح التربوي للمجتمع المدرسي و المجتمع المحلي.
القيادة التحويلية ( Transformational Leadership ): نظراً لأهمية هذا النوع من القيادة، لذا، فإنها تستحق بعض الشرح والتوضيح. يمكن النظر إلى القيادة التحويلية بأنها مجموعة السلوكات للأفراد الذين ينجزون التغيير. إن "أي شيء يؤدي إلى التغيير، يعد تحويلياً" Lashway, et., al., 1995,cited in: LPA,2004) ). القادة التحويليون يتخذون القرارات بناءً على منظور واسع، ورؤية وأهداف ورسالة، وأهداف تمثل اتفاقاً بين أفراد المؤسسة، وتنمية شبكة علاقات تبادلية وتعاونية. تمثل ألأمثلة التالية بعض سلوكات القيادي التحويلي Lashway, et., al.,) 1995,cited, inLPA,2004 ):
• تحديد رؤية المدرسة
• دعم قبول جماعي للأهداف
• وضع توقعات عالية للأداء
• تمثل نموذج مناسب
• توفير حفز فكري
• تطوير ثقافة مدرسية قوية
ويحدد فولان (Fullan, 2002, p. 15, cited in: LPA, 2004) الخصائص المهمة للقيادة التحويلية بناءً على دراسة ملامح المدارس ومؤسسات الأعمال الناجحة:
• شعور قوي بالهدف المعنوي
• فهم ديناميكية التغيير
• ذكاء عاطفي في بناء العلاقة
• التزام بتنمية معرفة جديدة والمشاركة فيها
• مقدرة كافية على توثيق عرى التلاحم.
ويتطلب النموذج غير المركزي في الإدارة المدرسية المعتمدة على الإدارة المحلية ( site-based management) وبنية صناعة القرار نموذجاً أكثر شمولاً للقيادة بغرض الاستجابة للتغير الشديد وتحدي الإصلاح المدرسي. ويتطلب هذا النموذج من جميع التربويين أن يكونوا قادة. وتؤكد الأدبيات الحديثة في مجال القيادة على ما يأتي:(Fullan, 2002; Zaccaro, 2000, cited in: LPA,2004)
• رؤية وهدف معنوي: قيادة أخلاقية، واتساق الرؤية بهدف المبادرات الاستراتيجية.
• علاقات: علاقة تبادلية بين القادة والأعضاء، وقيادة وشراكة إتلافية.
• التعقيد: المقدرة المعرفية والابتكارية للقادة للعمل في مواقفف شديدة التعقيد، وأهمية احترام وجهات النظر المتعددة، والقرارات الاستراتيجية، والقيادة الظرفية.
• التغيير: تحويل القادة والثقافات، والقائد كعميل للتغيير وناشط اجتماعي، وتعلم المدرسة كاستجابة للتغيير.
وتعد هذه النظرة للقيادة استجابة لفكرة أن المستقبل غير معروف ولايوجد نموذج أو تنبؤ واحد تماماً. ولذا، فإن الطريق الوحيد للإعداد للمستقبل هو إيجاد المقدرة على التغيير (LPA,2004 ).

ثانياً: الذكاءات التسعة للقيادة المدرسية المدرسية الفعّالة:

بنيت الذكاءات التسعة للقيادة الميّسرة للتغييرعلى فكرة جاردنر(Gardner,1983) للذكاء
المتعدد(.(NCSLهذه الذكاءات التسعة هي:

• الذكاء المجالي (contextual intelligence): قدرة القيادي على جعل مدرسته تنظر إلى نفسها من خلال علاقتها بمجتمعها الواسع والعالم الذي تنتمي إليه، واتخاذ القرارات المنسجمة مع التوجهات في سياقها المحلي والمجتمع الأكبر، والعمل بانفتاح مع وجهات نظر متعددة، مع عدم فقدان رؤيتها لأهدافها الجوهرية.

• الذكاء الاستراتيجي (strategic intelligence): تأسيس خطط تكون فيها الأولويات بعيدة المدى الخاصة بالتحسين تحت المراجعة المستمرة في ضوء المعلومات الجديدة من السياق المجتمعي ، ووضوح الأهداف المطلوب إنجازها، والمشاركة في الرؤية والأهداف بين أعضاء المجتمع المدرسي، والاستجابة لمعطيات الحاضر وصناعة المستقبل وتوقع النتائج.

• الذكاء الأكاديمي ((academic intelligence: التأكيد على القيمة المضافة وفاعلية التعليم والتعلم، و التوقعات العالية للإنجاز وتشجيع عمليات البحث والاستقصاء والإنجاز والأداء المرتفعين من قبل الطلاب، وتشجيع تعلم المعلمين وفاعلية وقوة التأثير لأعضاء المجتمع المدرسي.

• الذكاء التأملي (reflective intelligence ): امتلاك مهارات عمليات المراقبة ومراجعة وتقويم فاعلية المدرسة عموماً وتقدم وإنجاز الطلاب على وجه الخصوص الذي يجب أن يحتل اهتماما مركزيا.

• الذكاء البيداغوجي (pedagogigal intelligence): ضمان أن يخضع التعلم والتدريس للاختبار و التطوير بصفة مستمرة بحيث لا تسيطر عليهما النمطية، والتأكيد على العلاقة التفاعلية بينهما من جهة وبينهما وبين التفكير من جهة أخرى عند تقرير أفضل الاستراتيجيات التي ينبغي استخدامها، أي أن تنظر المدرسة إلى نفسها كمنظمة متعلمة.

• الذكاء التعاوني (:(collegial intelligence يقوم هذا الذكاء على فكرة أن الكل أكبر من مجموع الأجزاء ، أي ازدياد الإنجازعندما يعمل أعضاء المجتمع المدرسي معاً لتحسين تطبيقات كل منهم الأخر، ولذا، ينبغي على القيادي أن يشجع ويفعّل طاقة أعضاء المجتمع المدرسي على العمل التعاوني لتحسين العمليات الصفية على وجه الخصوص.

• الذكاء العاطفي (:(emotional intelligence تشجيع ودعم أعضاء المجتمع المدرسي على التعبير عن مشاعرهم واحترام هذه المشاعر، وهذا هو الذكاء بين الشخصي،أي فهم مشاعر الأخرين وما يحفزهم، وكذلك الذكاء الشخصي الذي يشمل الوعي الذاتي، والتحكم الذاتي والحافز والتعاطف والمهارات الاجتماعية.
• الذكاء الروحي (spiritual intelligence): الاهتمام الكبير بتطوير جميع أعضاء المجتمع المدرسي والنظر لكل فرد منهم بأنه مهم ولديه ما يساهم به.
• الذكاء الأخلاقي (ethical intelligence ): التأكيد على حقوق الطلاب والحاجة إلى إشراكهم في القرارات الخاصة بتعلمهم، والتأكيد على المبادئ المعنوية والأخلاقية مثل: العدالة والمساواة، واحترام عال للذات بالنسبة للمدرسة كمنظمة متعلمة، والتأكيد على القيم والأهداف الواضحة في رسالة المدرسة.

المبادىء الميسّرة للتغيير: على القيادة المدرسية أن تفهم أن التغيير ( (Moore,2008:
• هو عملية وليس حدثاً طارئاً: يحتاج إلى وقت وطاقة ومصادر.
• يحققه الأفراد أولاً ثم المؤسسة بوجود تفاعل بينهما في عملية التغيير
• يتضمن النمو في المشاعر والمهارات حول التغيير المرغوب
• يعتمد على تدخلات مناسبة يمكن تصميمها لدعم الأفراد في تنفيذ التغيير

القيادة الفعّالة و المدارس الناجحة : بمراجعة أدبيات المدارس الناجحة على المستوى الدولي في هولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، حدد سامونز وأخرين ( Sammon et.,al.,1995. cited in: Macgilchrist et.,al.,2008 )، أهم ملامح تلك المدارس ويأتي في مقدمتها القيادة الفعّالة التي تلعب دوراً جوهرياً في تفعيل هذه الخصائص:

• قيادة احترافية
• رؤية واهداف مشتركة
• بيئة تعلم محفزة
• تركيز على التعلم والتدريس
• تدريس هادف
• توقعات عالية
• تعزيز إيجابي
• مراقبة تقدم تعلم الطلاب
• حقوق ومسئوليات الطلاب
• شراكة بين البيت والمدرسة
• منظمة متعلمة
أخطاء في تخطيط التغيير التربوي : فجوة المعرفة- العمل: يفشل التغيير أحياناً بسبب التشديد الكبير على التخطيط والخطط. بفر وساتون ( Pfeffer&Sutton,2000,2006, cited in: Fullan,2007,pp.113-114) قدما تحليلاً لما أسمياه فجوة المعرفة- العمل ( The Knowledge-Doing Gap) وحددا خمسة موانع لتنفيذ خطة التغيير:
1. عندما يصبح الحديث والتخطيط بديلاً عن التنفيذ والعمل.
2. عندما تصبح الذاكرة بديلاً عن العمل والأفكار الجديدة.
3. عندما يحول الخوف دون تحويل المعرفة إلى عمل.
4. عندما يمنع التقويم والقياس القرارات الجيدة والحكم الجيد.
5. عندما تحوّل المنافسة الداخلية الأصدقاء إلى أعداء.

المدرسة الفعّالة والقيمة المضافة: من الواضح أن الهدف الرئيس من التأكيد على ضرورة توافر قيادة مدرسية فعّالة هو تحويل المدارس منخفضة الأداء إلى مدارس عالية الأداء. وبعبارة أخرى، أن تكون المدرسة فعّالة في تهيئة الطلاب بالمعرفة والمهارات التي تجعلهم قادرين على النجاح والتكّيف في عالم سريع التغير. ويرتبط بمفهوم المدرسة الفعّالة مفهوم القيمة المضافة (Value-Added ( ,p.1,)). يعّرف مورتيمور Mortimore,1991,p.9 cited) (in:MacGilchrist,et., al.,2008,p.21 المدرسة الفعّالة بأنها "المدرسة التي يحقق فيها الطالب أكثر مما هو متوقع منه من قبل القائمين عليها" وهذ " يضيف قيمة أبعد لمخرجات طلابها بالمقارنة مع مدارس تخدم جمهور مشابه" Sammons,et., al.,1995, cited in:MacGilchrist,et. al.,2008,p.21 ).

ويحذر البعض(Garner,2002,MacGilchirst,et.,al.,2008,p9 Hargreaves,200o,
من استخدام نتائج الاختبارات الوطنية أو الدولية كمعيار وحيد ونهائي في الحكم على مستوى أداء المدرسة ، وأن تلك الاختبارات تقيس الدرجات التي حازها الطلاب، وتبين أداء المدرسة في فترة زمنية محددة (سنة معينة مثلاً)، بينما ينخفض أداءها في سنة ، وهي اختبارات تشجع تدريس الطلاب لاجتياز الاختبار، وتستخدم طرق للتحسين على المدى القصير. ولذا، يقترح جراي Gray, et., al., 2001,cited in: MacGilchirst,et., al., 2008,p.22) ) إطاراً لتقدير القيمة المضافة على مدى زمني ممتد يعتمد النظر إلى البيانات الخاصة بأداء المدرسة من ثلاث زوايا، فقد تشير تلك البيانات إلى إن المدرسة:
• محافظة على مستوى الأداء الجيد من سنة إلى أخرى: حجم الأثر مستقر بمرور الوقت.
• زيادة مستوى الأداء من سنة إلى أخرى: حجم الأثر غير مستقر وإنما يتغير إلى الأحسن.
• تناقص مستوى الأداء من سنة إلى أخرى: حجم الأثر غير مستقر، وإنما يتغير إلى الأسوأ.

ولعل أفضل ما يمكن الإشارة إليه في موضوع المدرسة الفعّالة والقيمة المضافة، ما ذكره التقرير الأمريكي (cited in: MacGilchirst,et, al., 2008,p.24 Education Counts,1991,): " يجب قياس القيمة التربوية نريد بدلاً من إعطاء قيمة لما يمكن قياسه بسهولة".

خلاصة:
تلعب القيادة المدرسية الفعّالة دوراً جوهرياً في دعم التحول في النموذج التربوي، مما يتطلب أن تنظر كليات التربية في المملكة باهتمام أكبر لتقديم برامج أكاديمية فعّالة لأعداد القيادات المدرسية، ومن غير المعقول أن لايتوافر سوى دورات تدريبية قصيرة تقدم بأساليب تقليدية. كما أن على الوزارة أن توجّه اهتماماً أكبر لعملية إعداد قيادات مدرسية قادرة على إحداث تحول حقيقي في أداء المدارس، وتصحيح التقليد الحالي في تعيين معلم خدم بضع سنوات في موقع مدير مدرسة لايقوم سوى بالدور التقليدي لتسيير المدرسة يوماً بيوم دون أن يتوافر لديه الحد الأدنى من المعرفة والمهارات المطلوبة للقيادة الفعّالة في مجتمع معرفي يتغير على نحو غير مسبوق. وأخيراً، نود التأكيد على الأهمية البالغة لإدارة التغيير، وهي مهارة بينت الأدبيات في المجال أنها كثيراً ما صنفت في المرتبة الأولى من بين خصائص القيادة المدرسية الفعّالة الميسّرة للتغيير، وأن كثيراً من التجديدات التربوية المعدة جيداً فشلت بسبب ضعف إدارة التنفيذ.
باختصار، القيادة الفعّالة هي أكثر من مجرد أن يعرف القائد ببساطة ماذا يعمل، وإنما متى يعمل وكيف يعمل ولماذا يقوم بما ينبغي القيام به (Moore,2008 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق